مقالات من كتبه

المداومة على الجماعة

إن التربية الاجتماعية من أهم أسس الإسلام، وتبدأ أول بذور التربية الاجتماعية للمسلم بصلاته مع الجماعة، فهي من أهمّ ما يثبت شعور الوحدة والتجمع في المجتمع الإسلامي المبني على أساس التوحيد، فأي مكان تؤدى فيه الصلاة جماعة تكون بنية الإسلام الروحية والاجتماعية قد بدأت تزدهر حقا.

الإسلام يأمر المؤمنين أن يحيوا بروح الجماعة، فيمدوا يد العون والمساعدة لبعضهم في كل أمر، ويبذلون الجهود في سبيل الله تعالى ضمن إطار من الوحدة والتوحد وكأنهم صف واحد، يقول الحق تعالى:

{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (الصف، 4)

يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:

«…عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة…».[1]

ثم إننا عندما نقرأ سورة الفاتحة في كل ركعة من صلاتنا فإننا نعترف بين يدي ربنا في اليوم الواحد أربعين مرة على الأقل أننا أمة واحدة ومجتمع واحد، بقولنا: {إياك نعبد وإياك نستعين}.

كان أول ما يقوم به النبي عليه الصلاة والسلام عند حضوره قباء أو المدينة المنورة، هو بناء مسجد فيها ليجتمع المسلمون فيه على طاعة الله تعالى، فوضع بذلك أول أسس الجماعة الإسلامية.

وقد احتذى أجدادنا حذو النبي عليه الصلاة والسلام في سنته هذه حيث قاموا بتشييد المساجد العظيمة في مركز كل مدينة يعمروها، ثم يكملون بناء المدن حول المساجد وكأنها هالات نور تبعث الهداية فيما حولها.

وبالتالي فإن تأدية الصلوات بالجماعة أنسب عمل يوافق غرض الإسلام، وأمر الله تعالى.

يقول عليه الصلاة والسلام:

«ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر، إلا تبشبش الله له، كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم».[2]

وفي حديث آخر:

«”لا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟” قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط”».[3]

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها:  «من سمع النداء فلم يجب فلم يرد خيرا أو لم يُرَد به».[4]

ولذلك فقد تعامل النبي عليه الصلاة والسلام مع من يهمل صلاة الجماعة بلا هوادة، حتى أنه قال يوماً:

من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلى “، قالوا: وما العذر؟ قال: ” خوف أو مرض “.[5]

فترك الجماعة وإهمالها يتسبب بتفرق جماعة المسلمين، يتحدث الله تعالى عن الذين يشتتون الجماعة ذامّاً إياهم فيقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى الله ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (الأنعام، 159)

صور الفضائل

يقول أبو هريرة رضي الله عنه: «نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين ضجنان وعسفان فقال المشركون إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم هي العصر، فأجمعوا أمركم فميلوا عليهم ميلة واحدة، وإن جبريل أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأمره أن يقسم أصحابه شطرين، فيصلي بهم وتقوم طائفة أخرى وراءهم وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ثم يأتي الآخرون ويصلون معه ركعة واحدة، ثم يأخذ هؤلاء حذرهم وأسلحتهم فتكون لهم ركعة ركعة، ولرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتان».[6]

أي إن أمر تأخير المسلمين الصلاة وتركهم الجماعة ليس موضوعاً قابلاً للبحث مهما كان السبب حتى ولو كان الوقت حرباً.

يروي جعفر بن عمرو عن أبيه قوله: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأكل ذراعا يحتز منها، فدعي إلى الصلاة، فقام فطرح السكين فصلى ولم يتوضأ».[7]

وقد كان عليه الصلاة والسلام يترك طعامه ويقوم لأداء الصلاة في أول وقتها مع وجود وقت كاف لأدائها بعد فراغه من طعامه، وذلك لاهتمامه البالغ بالمداومة على صلاة الجماعة.

يقول يزيد بن عامر رضي الله عنه:

«جئت والنبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة فجلست ولم أدخل معهم في الصلاة، قال: فانصرف علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرأى يزيد جالسا، فقال: “ألم تسلم يا يزيد“، قال: بلى يا رسول الله قد أسلمت، قال: “فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟“، قال: إني كنت قد صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم، فقال: “إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة“».[8]

وقد كانت الصلاة مع الجماعة من أهم الأمور التي اعتنى النبي عليه الصلاة والسلام في مرض وفاته، ووفق ما يرويه لنا سيدنا أنس رضي الله عنه فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يتخلف عن صلاة الجماعة إلا في الأيام الثلاث الأخيرة من مرضه قبل وفاته.[9]

قَالَ أحد الصحابة:

«دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بلى، ثقل النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أصلى الناس؟» قلنا: لا، هم ينتظرونك، قال: «ضعوا لي ماء في المخضب». قالت: ففعلنا، فاغتسل، فذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أصلى الناس؟» قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: «ضعوا لي ماء في المخضب» قالت: فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: «أصلى الناس؟» قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: «ضعوا لي ماء في المخضب»، فقعد، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: «أصلى الناس؟» فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، والناس عكوف في المسجد، ينتظرون النبي عليه السلام لصلاة العشاء الآخرة، فأرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر – وكان رجلا رقيقا -: يا عمر صل بالناس، فقال له عمر: أنت أحق بذلك، فصلى أبو بكر تلك الأيام، ثم إن النبي صلّى الله عليه وسلّم وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن لا يتأخر، قال: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قال: فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، والناس بصلاة أبي بكر، والنبي صلّى الله عليه وسلّم قاعد،».[10]

يروي سيدنا أنس رضي الله عنه:

أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي صلّى الله عليه وسلّم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خارج إلى الصلاة «فأشار إلينا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر فتوفي من يومه».[11]

لقد فرح النبي عليه الصلاة والسلام لتركه خلفه مجتمعاً كالبنيان المرصوص صفوفه متحدة وأفراده يواصلون أداء صلواتهم مع الجماعة حتى بدا وجهه الكريم كروقة مصحف حين كان يشاهدهم، وأما تبسم سيد المخلوقات المضيء بنوره جميع الكائنات فقد بعث في الصحابة الكرام الأمل. إلا أنه كان متوجهاً إلى الرفيق الأعلى راضية نفسه منتظراً لحظة اللقاء.

وأما كلماته الأخيرة في أنفاسه الأخيرة فكانت:

«الصلاةَ الصلاةَ، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم».[12] .

  يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه: «خَلَتِ البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال لهم: “إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد“، قالوا: نعم، يا رسول الله! قد أردنا ذلك، فقال: “يا بني سلمة! دياركَم تكتبْ آثاركُم، دياركَم تكتبْ آثاركُم“».[13]

يقول عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه:

«يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوامِّ والسباع، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:

أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح، فحي هلاً“».[14]

وكما يبدو فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم يسلط الضوء على أهمية الصلاة مع الجماعة، على الرغم من كل صعوبة الظروف المحيطة أحيانا.

ولذلك فقد أنذر النبي عليه الصلاة والسلام المتخلفين عن الجماعة بتحذيرات مختلفة، يقول أبي بن كعب رضي الله عنه:

«صلى بنا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم يوما الصبحَ، فقال:”أشاهد فلان؟” قالوا: لا، قال: “أشاهد فلان؟” قالوا: لا، قال:

إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبْوا على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله عزّ وجّل”».[15]

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد عُلم نفاقه أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علَّمنا سُنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه».[16]

كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم فدخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيهم نزلت:

{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ  يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (النور، 37).[17]

يروى عن الشفاء بنت عبد الله أنها قالت:

«دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَوَجَدَ عِنْدِي رَجُلَيْنِ نَائِمَيْنِ، فَقَالَ: «وَمَا شَأْنُ هَذَيْنِ مَا شَهِدَا مَعِي الصَّلَاةَ؟» قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَلَّيَا مَعَ النَّاسِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَزَالَا يُصَلِّيَانِ حَتَّى أَصْبَحَا، وَصَلَّيَا الصُّبْحَ، وَنَامَا، فَقَالَ عُمَرُ: «لَأَنْ أُصَلِّيَ الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ لَيْلَةً حَتَّى أُصْبِحَ» .[18]

عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أنه قال:

«جاء عثمان بن عفان إلى صلاة العشاء فرأى أهل المسجد قليلا، فاضطجع في مؤخر المسجد ينتظر الناس أن يكثروا، فأتاه ابن أبي عمرة فجلس إليه فسأله: من هو؟ فأخبره، فقال: ما معك من القرآن؟ فأخبره، فقال له عثمان: من شهد العشاء فكأنما قام نصف ليلة، ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة».[19]

وينقل لنا ثابت بن حجاج هذه الحادثة من الصحابة وهو ينظر إلى المتخلفين عن الجماعة:

«خرج عمر رضي الله عنه إلى الصلاة فاستقبل الناس، فأمر المؤذن فأقام، وقال: لا ننتظر لصلاتنا أحدا، فلما قضى صلاته أقبل على الناس، ثم قال: ما بال أقوام يتخلف بتخلفهم آخرون، والله لقد هممت أن أرسل إليهم، فيجاء في أعناقهم ثم يقال: اشهدوا الصلاة».[20]

تقول أم الدرداء رضي الله عنها:

«دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك، فقال: والله ما أعرف من أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم شيئا إلا إنهم يصلون جميعا».[21] فتعجب رضي الله عنه كيف يهمل هؤلاء الناس أمر صلاة الجماعة.

كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه إن فاتته الصلاة مع الجماعة يشتغل بالعبادة حتى وقت الصلاة التالية، وهذا جارٍ على صلاة العشاء أيضاً، أي إنه يتعبد ربه حتى الصباح في هذه الحالة.[22]

تزوج الحارث بن حسان وكانت له صحبة، وكان الرجل إذ ذاك إذا تزوج تخدر أياما، فلا يخرج لصلاة الغداة، فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك في هذه الليلة؟ قال: «والله إن امرأة تمنعني من صلاة الغداة في جماعة لامرأة سوء».[23]

سأل ابن جريج أحدَ المشهورين من التابعين وهو عطاء رحمه الله:

«إن سمع الإقامة أو الأذان وهو يصلي المكتوبة أيقطع صلاته ويأتي الجماعة؟ قال: إن ظن أنه يدرك من المكتوبة شيئا فنعم، وقد روي أن ابن عمر صلى ركعتين من المكتوبة في بيته فسمع الإقامة فخرج إليها».[24]

لقد كان عامر بن عبد الله على فراش الموت يَعُدُ أنفاسَ الحياة، وأهله حوله يبكون، فبينما هو يصارع الموت سمع المؤذن ينادي لصلاة المغرب ونفسُهُ تُحشْرجُ في حلقه، وقد أشتدّ نزعُه وعظـُم كربه، فلما سمع النداء قال لمن حوله:خذوا بيدي… قالوا: إلى أين!؟ ..قال: إلى المسجد..  قالوا: وأنت على هذه الحال !!قال: سبحان الله .!! أسمع منادي الصلاة ولا أجيبه!! خذوا بيدي.. فحملوه بين رجلين فصلى ركعة مع الإمام ثمّ مات في سجوده.

أن يفارق عبدٌ –واظب عمره كله على صلاة الجامعة- ويلفظ أنفاسه الأخيرة في السجود لتجلٍّ رائع لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم «يموت العبد على ما عاش عليه».

يقول عطاء بن ثابت رحمه الله تعالى:

«عن عطاء بن السائب قال: دخلنا على أبي عبد الرحمن السلمي وهو يقضي -أي ينزع- في المسجد، فقلنا له: لو تحولت إلى الفراش، فإنه أوثر، قال: حدثني فلان أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: “لايزال أحدكم في صلاةٍ مادام في مصلاّه ينتظر الصلاة”، وفي رواية ابن سعد: “والملائكة تقول اللهم اغفر له، اللهم ارحمه“، قال أبو عبدالرحمن السلمي: فأريد أن أموت وأنا في مسجدي».

وقد قال عليه الصلاة والسلام:

«إذا قال القارئ: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال من خلفه آمين فوافق قولُه قولَ أهل السماء غُفر له ما تقدم من ذنبه».[25]

وحسب إحدى الروايات:

«إن الله تعالى ينادي يوم القيامة: أين جيراني؟ فتقول الملائكة: ربنا ومن ينبغي أن يجاورك!؟ فيقول: أين عمَّار المساجد».[26]

ويقول عليه الصلاة والسلام:

«المسجد بيتُ كلِّ تقي، وقد ضمن الله لمن كانت المساجد بيوتهم الروحَ والرحمةَ والجَوَاَزَ على الصراط إلى رضوان الله عزّ وجّل». [27]

يقول عاشق باشازاده من الأوائل المؤرخين العثمانيين:

«نسب آل عثمان هذا نسب صادق، فهم لم يصدر عنهم أيُّ فعل غير مشروع، بل كانوا يجتنبون ما يكرهه العلماء من التصرفات والأعمال، حتى تجرأ شيخ الإسلام ملا فناري على رفض شهادة يلدرم بيازيد  بسبب تركه للجماعة، وقال بشكل واضح للسلطان الذي سأله عن السبب في ذلك:

« يا مولاي، إني لا أراكم في الجماعة، في حين أنه عليكم أن تكونوا في الصف الأول، فأنتم قدوة هذه الأمة، فإذا لم تشاركوا في الجماعة غدوتم أمثلة لا يحتذى بها للأمة، وهذا يمنع قبول شهادتكم…».

وبعد هذا وحسب رواية أخرى بنى يلدرم بيازيد المسجد المشهور في بورصة المسمى ب«أولو جامع» شكرا لله على نصر نيغبولو، وداوم على صلاة الجماعة فيه.

والحاصل، إن الاستمرار في صلاة الجماعة صورةٌ لصدق الإيمان وإخلاصه، يقول عليه الصلاة والسلام:

«إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان، فإن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ}».[28]

وقد رتب أولياء الله تعالى فوائد معينة رئيسية لتأدية الصلوات الخمس جماعة في المساجد منها:

ـ تأصل شعور الانتماء إلى الجماعة في قلب المؤمن بالاستفادة من الفيض والبركة التي يمن الله بها على المساجد.

ـ أداء الصلوات في أكثر أوقاتها قبولاً، أي أولها.

ـ التعرض لدعاء الملائكة واستغفارها وشهادتها.

ـ الابتعاد عن الشيطان.

ـ نيل ثواب عظيم بإدراك تكبيرة الافتتاح.

ـ التخلص من صفة النفاق في الأعمال.

ـ الاستفادة من فيض الأدعية والأذكار المؤداة جماعياً.

ـ المساهمة في ترسيخ الألفة بين المسلمين.

ـ التعاون في أمور الطاعة والعبادة.

ـ التعود على أحكام التلاوة وتعلمها في الصلوات الجهرية.

ـ التمكن من أداء الصلاة كاملة مع الخشوع.

وكما تبين ثمة الكثير من فوائد الصلاة مع الجماعة، ولذا فقد أمر الله تعالى وحبيبه الأكرم المؤمنين بالاستمرار في اعتياد المساجد والجماعة على نحو مؤكد.

[1]          الترمذي، الفتن، 7/ 2165.

[2]          ابن ماجة، المساجد، 19/800 ؛ ابن خزيمة، الصحيح، 2/ 374.

[3]          الترمذي، إسباغ الوضوء،  51.

[4]          البيهقي، السنن الكبرى، 3، 57.

[5]          أبو داوود، الصلاة، 46/ 551.

[6]          الترمذي، التفسير، 4/ 21.

[7]          البخاري، الأذان، 43.

[8]          أبو داوود، الصلاة، 56/ 577.

[9]          البخاري، الأذان، 46.

[10]         البخاري، الأذان، 51.

[11]         البخاري، الأذان، 46/680.

[12]         أبو داوود، الأدب، 123 ـ 124/ 5156؛ ابن ماجة، الوصايا، 1.

[13]         مسلم، المساجد، 280، 281؛ الترمذي، تفسير القرآن، 36/ 1.

[14]         أبو داوود، الصلاة، 46/ 553.

[15]         أبو داوود، الصلاة، 47/ 554؛ النسائي، الإمامة، 45.

[16]         مسلم، المساجد، 256 ـ 257.

[17]         ابن كثير، التفسير، 3، 306؛ الهيثمي، 7، 83.

[18]         عبد الرزاق، المصنف، بيروت 1970، 1، 526؛ الموطأ، صلاة الجماعة، 7.

[19]         انظر: الموطأ، صلاة الجماعة، 7؛ مسلم، المساجد، 260.

[20]         عبد الرزاق، 1، 519.

[21]         البخاري، الأذان، 31.

[22]         ابن حجر، الإصابة، 2، 349.

[23]         الهيثمي، 2، 41.

[24]         عبد الرزاق، 1، 514 ـ 515.

[25]         البخاري، الأذان، 113؛ مسلم، الصلاة، 76.

[26]         علي المتقي، 4، 578/ 20339.

[27]         الطبراني، المجمع الكبير، تحقيق. حمدي عبد المجيد السلفي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 6، 254/ 6143؛ علي المتقي، 7، 580/ 20349.

[28]         الترمذي، الإيمان، 8/ 2617.