وَجْدُ[1] العبادة في مجتمع عصر السعادة. يعتبر أصحاب الرسول -صلي الله عليه وسلم- العبادة زمن التقرب ولقاء اللّه -عز وجل-، لذلك كانت العبادة بالنسبة لهم فرصة لا تفوّض ولا تعاد، وكانوا يعتبرون إقامة أية عبادة شرفاً ونعمة لهم، وكانوا يقيمونها بكل مشاعر الإمتنان والوجد والحظ لأن اللّه تعالى قد خاطبهم وأمرهم بها.
التدقيق على الوضوء
كان الصحابة الكرام على يقظة وانتباه في المحافظة على وضوئهم وتجديده لكل صلاة.
قال أبو بريدة: أصبح رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- فدعا بلالاً فقال: “يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي…”، فقال بلال: يا رسول اللّه ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن للّه علي ركعتين، فقال رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “بهما” (انظر: الترمذي، المناقب ، 18، جـ5، ص 026/ 3689)
قَالَ أَبِي غُطَيْفٍ الْهُذَلِيِّ: سمعت عبد اللّه بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- في مجلسه في المسجد، فلما حضرت الصلاة قام فتوضأ وصلى، ثم عاد إلى مجلسه، فلما حضرت العصر قام فتوضأ وصلى، ثم عاد إلى مجلسه، فلما حضرت المغرب قام فتوضأ وصلى، ثم عاد إلى مجلسه،
فقلت: أصلحك اللّه، أفريضة، أم سنة الوضوء عند كل صلاة، قال: أَوَفَطِنْتَ إِلَيّ، وإلى هذا مني؟ فقلت: نعم، فقال:، لا لو توضأت لصلاة الصبح، لصليت به الصلوات كلها، ما لم أحدث، ولكني سمعت رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-يقول: “مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى كُلِّ طُهْرٍ، فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَإِنَّمَا رَغِبْتُ فِي الْحَسَنَاتِ” (انظر: ابن ماجه، باب الطهارة، 73)
كان الصحابة الكرام يسبغون وضوءهم، فعَنْ أَبِي حَازِمٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: كنت خلف أبي هريرة -رضي الله عنه-، وهو يتوضأ للصلاة فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ أنتم هاهنا؟ لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي -صلي الله عليه وسلم- يقول:”تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ، حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ” (انظر: مسلم، الطهارة، 40)
عن أبي هريرة، أن رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-أتى المقبرة، فقال: “السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا“، قالوا: أَوَلَسْنَا إخوانك؟ يا رسول اللّه ، قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: “أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ…” (انظر: مسلم، الطهارة، 39؛ ابن ماجه، الزهد 36)
بعدها سأل الصحابة الكرام: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك؟ يا رسول اللّه، فقال عليه الصلاة والسلام: “أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟”، قالوا: بلى يا رسول اللّه قال: “فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا” (انظر: مسلم، طهارة، 39، فضائل، 26؛ النسائي، الطهارة، 110/115؛ ابن ماجه، الزهد، 36، الموطأ، الطهارة، 26؛ أحمد، جـ 2، ص 300، 408)
الصلاة نور أعينهم
مؤمنو عصر السعادة أقاموا الصلاة بخشوع لأنهم شعروا بلقاء اللّه -عز وجل- حين تأديتها وكانوا يصلّون كل صلاة كآخر صلاة لمودع الدنيا[2].
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه؛ أنه قال: كان رجلان أخَوَان. فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلة. فذكرت فضيلة الأول عند رسول اللّه ، فَقَالَِ رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “أَلَمْ يَكُنِ الآخَرُ مُسْلِماً؟”، قالوا: بلى. يا رسول اللّه، وكان لا بأس به، فقال رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “وَمَا يُدْرِيكُمْ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلاَتُهُ؟ إِنَّمَا مَثَلُ الصَّلاَةِ كَمَثَلِ نَهْرٍ غَمْرٍ بِبَابِ أَحَدِكُمْ. يَقْتَحِمُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ. فَمَا تَرَوْنَ ذلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلاَتُهُ” (انظر: الموطأ، جامع الصلاة، جـ 2، ص 242/ 600)
كان أبو طلحة الأنصاري -رضي الله عنه- يصلي في حائطه. فطار دبسي (طائر يشبه اليمامة)، فطفق (أي: يطلب المخرج من بين جرائد النخل) يتردد، يلتمس مخرجاً. فأعجبه ذلك. فجعل يتبعه بصره ساعة. ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدري كم صلى؟ فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة. فجاء إلى رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-، فذكر له الذي أصابه في حائطه من الفتنة. وقال: يا رسول اللّه! هو صدقة للّه. فضعه حيث شئت. (انظر: الموطأ، الصلاة، جـ 2، ص135/ 326)
حضرة عمر بن الخَطّاب -رضي الله عنه- كتب إلى عُمَّالِهِ: ((إن أهم أمركم عندي الصلاة، من حفظها وحافظ عليها، حفظ دينه، ومن ضيعها، فهو لما سواها أضيع…)) (انظر: الموطأ، وقوت الصلاة، جـ 2، ص 9/ 9)
عَنِ الْمُسَوَّرِ بْنِ مَخْرَمَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: دخلت على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو مسجى فقلت: كيف ترونه؟ قالوا: كما ترى. قلت: أيقظوه بالصلاة ; فإنكم لن توقظوه لشيء أفزع له من الصلاة. فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين؟ فقال: ها اللّه إذاً! ولا حق في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وإن جرحه لِيَثْعَبُ دَمًا. (انظر: الهيثمي، جـ1، ص295؛ الموطأ، الطهارة، 51)
قال حضرة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لأحد موظفيه: كل شيء مرتبط بصلاتك.[3]
نُقِلَ عَنِ الْعَلَاءِ بن عبدِ الرحْمَنِ، أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة، حين انصرف من الظهر، وداره بجنب المسجد، فلما دخلنا عليه، قال: أصليتم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفنا الساعة من الظهر، قال: فصلوا العصر، فقمنا، فصلينا، فلما انصرفنا، قال: سَمِعْتُ رسول اللّه-صلي الله عليه وسلم-، يقول:”تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا“. (انظر: مسلم، المساجد ، 195، جـ1، ص434/ 622)
الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- اهتمّوا بأداء الصلاة وفي إكمال ركوعها وسجودها، دخل حذيفة المسجد فإذا رجل يصلي مما يلي أبواب كندة فجعل لا يتم الركوع ولا السجود، فلما انصرف، قال له حذيفة -رضي الله عنه-: منذ كم هذه صلاتك؟، قال: منذ أربعين سنة، قال: فقال له حذيفة -رضي الله عنه-: (ما صليت منذ أربعين سنة ولو مُتَّ وهذه صلاتك لمت على غير الفطرة التي فطر عليها محمد -صلي الله عليه وسلم-)، قال: ثم أقبل عليه يعلمه، فقال: (إن الرجل ليخف في صلاته، وإنه ليتم الركوع والسجود) (انظر: أحمد، مسند، الأنصار، 38، ص294/23258؛ البخاري، جـ1، ص 158/791)
المثابرة على الجماعة
إن أكثر الخصوصيات أهمية في مجتمع عصر السعادة كانت في إنشاء رابطة الإخاء في الدين وإحلالها محل العصبية القبلية، مفهوم الوحدة الأخوية كان أساس العيش في مجتمع عصر السعادة، لهذا فأوضح مظهر من مظاهر هذا الإخاء التجلّى في المحافظة على تأدية صلاة الجماعة كان رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- يعرف جماعته كالإمام ويلاحظ الغائبين منهم عن تأدية صلاة الجماعة ويسأل الحاضرين أين صديقكم فلان؟ هل حضر فلان؟ ويا سيد أين خادمك؟ المريض منهم يَعُودُهَ، وكان رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- ينادي على أصحاب الحاجات والمصائب ويحل مشكلاتهم ويقضي لهم حاجاتهم. كان سيدنا رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- دائماً يحض أمته على ملازمة الجماعة فيقول:
“إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ“
لأن اللّه تعالى قال في كتابه العزيز:
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ (التوبة، 18) (ابن ماجه، المساجد، 19)
عن أبي الْأَحْوَصِ، قال: قال عبد اللّه:
«لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة» (مسلم، صلاة الجماعة، جـ1، ص 354/ 654)
وفي عهد النبي -صلي الله عليه وسلم- كان هناك رجلان، أحدهما بياعاً فإذا سمع النداء بالصلاة فإن كان الميزان بيده طرحه ولا يضعه وضعاً، وإن كان بالأرض لم يرفعه.
وكان الآخر قيناً يعمل السيوف للتجارة، فكان إذا كانت مطرقته على السندان أبقاها موضوعة، وإن كان قد رفعها ألقاها من وراء ظهره إذا سمع الأذان، فأنزل اللّه تعالى ثناء عليهما وعلى كل من اقتدى بهما.
فقال اللّه تعالى:
﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ (النور، 73)
وبذلك نالوا مدح اللّه -عز وجل-.(انظر: القرطبي، جـ 12، ص 279)
عن ابن مسعود -رضي الله عنهما- أنه رأى ناساً من أهل السوق سمعوا الأذان فتركوا أمتعتهم وقاموا إلى الصلاة، فقال: هؤلاء الذين قال اللّه -عز وجل- فيهم: ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ…﴾ (النور، 37) (انظر: الهيثمي، جـ7، ص83/ 11234)
المتعة في تأدية الزكاة
مجتمع عصر السعادة كان مهتماً بأداء الزكاة كثيراً لأن اللّه تعالى ربط وقرن بين أداء الصلاة وأداء الزكاة في معظم آيات القرآن الكريم. وقد وصل الصحابة الكرام إلى أقصى درجات الشعور الإيماني بتأدية الزكاة لأنهم عرفوا أن الزكاة والصدقة ستصل أولاً إلى يد اللّه تعالى.ولقد سأل حضرة العباس -رضي الله عنه- النبي -صلي الله عليه وسلم- في تعجيل صدقته قبل أن تحل (أي قبل وقتها)، فرخص له في ذلك، (أبو داود، الزكاة، جـ2، ص115/ 1624؛ الترمذي، الزكاة، 37؛ ابن ماجه، الزكاة، 7)
روى أبو داود في باب الزكاة أن امرأة أتت رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: “أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟” ، قالت: لا، قال: “أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟” ، قال: فخلَعتْهما، فأَلقَتْهما إلى النبي -صلي الله عليه وسلم-، وقالت: هما للّه -عز وجل- ولرسوله.[4] (أبو داود، الزكاة،4، 3651)
وفد بني تجيب: قدم عليه -صلي الله عليه وسلم- وفد تجيب وهم من السكون ثلاثة عشر رجلاً قد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض اللّه عليهم، فسر رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- بهم وأكرم منزلهم، وقالوا:«يا رسول اللّه: سقنا إليك حق اللّه في أموالنا»، فقال رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “رُدُّوهَا فَاقْسِمُوهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ“، قالوا: يا رسول اللّه ما قدمنا عليك إلا بما فضل عن فقرائنا، فقال أبو بكر: يا رسول اللّه ما وفد من العرب بمثل ما وفد به هذا الحي من تجيب، فقال رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “إِنَّ الْهُدَى بِيَدِ اللَّهِ -عز وجل-َّ، فَمَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرًا شَرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِيمَانِ“
وسألوا رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- أشياء، فكتب لهم بها، وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن، فازداد رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- بهم رغبة، وأمر بلالاً أن يحسن ضيافتهم، فأقاموا أياماً ولم يطيلوا اللبث، فقيل لهم: ما يعجبكم؟، فقالوا: نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- وكلامنا إياه، وما رد علينا، ثم جاؤا إلى رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- يودعونه، فأرسل إليهم بلالاً فأجازهم بأرفع ما كان يجيز به الوفود.(ابن القيم جـ3، ص 568، ابن سعد، جـ1، ص323 )
روى ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلي الله عليه وسلم- صلى يوم العيد ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي قرطها. (انظر: البخاري، جـ7، ص158/ 3885)
يحذر ابن عباس -رضي الله عنهما- من ترك وإهمال العبادة المالية في الإسلام ألا وهي الزكاة ويقول: «من كان له مال يبلغه حج بيت ربه، أو يجب عليه فيه زكاة، فلم يفعل، يسأل الرجعة عند الموت»، فقال رجل: يا ابن عباس، اتق اللّه، فإنما يسأل الرجعة الكفار؟ فقال: سأتلو عليك بذلك قرآنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ.وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِين. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا واللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ (المنافقون، 9-11) (انظر: الترمذي، تفسير، 63-3316)
أهل مجتمع عصر السعادة ارتفع عندهم حس المسؤولية تجاه شعيرة الزكاة حتى إيصالها إلى مستحقيها إلى أعلى درجاته.
عن الفضل بن عميرة أن الأحنف بن قيس قدم على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في وفد من العراق قدموا عليه في يوم صائف شديد الحر وهو متحجز بعباءة يهنأ [5]بعيراً من إبل الصدقة فقال: يا أحنف ضع ثيابك وهلم وأعن أمير المؤمنين على هذا البعير فإنه من إبل الصدقة، فيه حق اليتيم والأرملة والمسكين، فقال الرجل يغفر اللّه لك يا أمير المؤمنين فهلا تأمر عبدا من عبيد الصدقة فيكفيك هذا؟ فقال عمر -رضي الله عنه-: (يا ابن فلانة وأي عبد هو أعبد مني ومن الأحنف بن قيس هذا، إنه من ولي أمر المسلمين فهو عبد للمسلمين يجب عليه لهم ما يجب على العبد لسيده من النصيحة وأداء الأمانة.) (علي المتقي، جـ5، ص 761/ 14307)
حول هذه القصة توجد روايات عدة منها قصة هروب جمل الصدقة وخروج الخليفة عمر -رضي الله عنه- في طلبه، فقال أحد الحاضرين: لو يرسل الخادم في طلبه فكانت تلك إجابة حضرة عمر -رضي الله عنه- “وأي عبدين أفضل من عمر والأحنف”.
أهل مجتمع عصر السعادة اهتموا بأداء الزكاة حتى بلغ بهم الحال أن الخليفة عمر بن عبد العزيز أرسل موظفاً لتوزيع الزكاة في بلاد إفريقيا وعاد بها كاملة لأنه لم يجد مستحقاً لها ولذلك شرع في شراء العبيد وتحريره بِنقود الزكاة.[6]
الإنفاق والصدقة في محور حياتهم
أدرك مجتمع عصر السعادة أن الطريق المؤدي إلى حب اللّه هو طريق الإنفاق والصدقة، وأنها تحفظ الإنسان من البلاء والخطر والمصائب حيث قال اللّه تعالى في كتابه العزيز:
﴿وَأَنفِقُواْ[7] فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (البقرة، 195)
عن عبد الرحمن بن بجيد، عن جدته الصحابية أم بجيد، وكانت ممن بايع رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-، أنها قالت له: يا رسول اللّه، المسكين ليقوم على بابي، فما أجد له شيئا أعطيه إياه، فقال لها رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “إِنْ لَمْ تَجِدِي لَهُ شَيْئًا تُعْطِينَهُ إِيَّاهُ إِلَّا ظِلْفًا مُحْرَقًا، فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ فِي يَدِهِ” (انظر: أبو داود، الزكاة، 33/ 1667؛ الترمذي، الزكاة، 29/ 6656؛ النسائي، الزكاة، 70/ 2566)
وإذا كان المؤمن لا يملك شيئاً فوجب عليه القول الميسور، لأن اللّه تعالى أمر في مثل هذه الحال بالقول الميسور لأنه يمنح القلب السرور والسكينة والحلاوة والرقة. وهناك مثال آخر: فأبو مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- له مقالة رائعة حول بركة الإنفاق، «كان رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- إذا أمرنا بالصدقة، انطلق أحدنا إلى السوق، فيحامل، فيصيب المد وإن لبعضهم اليوم لمائة ألف» (انظر: البخاري، الزكاة، 10/ 1416)
قال رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ- أَوْ قَالَ: يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ-“
لذلك كان أبو الخير من رواة هذا الحديث لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة أو كذا. (انظر: أحمد، الرسالة، رقم 17333؛ الهيثمي 3، 110)
يقول لنا حضرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أمرنا رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-أن نتصدق فوافق ذلك عندي مالاً، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟”، قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: “يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟” ، قال: أبقيت لهم اللّه ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيء أبداً. (الترمذي، المناقب، 16/ 3675)
عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري: يروي لنا أن أمه أرادت أن توصي، ثم أخرت ذلك إلى أن تصبح. فهلكت، وقد كانت همت بأن تعتق. فقال عبد الرحمن: فقلت للقاسم بن محمد: أينفعها أن أعتق عنها، فقال القاسم: إن سعد بن عبادة قال لرسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها؟ فقال رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “نعم” (الموطأ، جـ 2 عتق، ص 779، رقم 13)
عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: أن رجلاً قال للنبي -صلي الله عليه وسلم-: إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال:
“نَعَمْ تَصَدَّقْ عَنْهَا” (البخاري، وصايا، 19؛ أبو داود، وصايا، 2881)
كان الحارث بن النعمان -رضي الله عنه- من الصحابة الكرام قد ذهب بصره فاتخذ خيطاً في مصلاه إلى باب حجرته ووضع عنده مكتلاً فيه تمر، وغيره، فكان إذا جاء المسكين فسلم أخذ من ذلك المكتل، ثم أخذ بطرف الخيط حتى يناوله، وكان أهله يقولون: نحن نكفيك، فقال: سمعت رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-يقول: “مُنَاوَلَةُ الْمِسْكِينِ تَقِي مِيتَةَ السُّوءِ” (الهيثمي، جـ3، ص112/ 4624؛ ابن سعد، 3، 884)
تروي لنا حضرة السيدة عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال لزوجاته:”أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا“، قالت: فكن يتطاولن أَيَّتُهُنَّ أطول يداً، قالت: فكانت أطولنا يداً زينب، لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق. (مسلم، فضائل الصحابة، جـ4/ 2452)
هذا يعني أن إنسان عصر السعادة شارك غيره حتى أنهم أصبحوا مستعدين للنفقة طوعاً الفقراء والأغنياء، المرضى والأصحاء.
ذات يوم جاء فقير إلى حضرة عثمان -رضي الله عنه- وقال له: ذهبتم يا أصحاب الأموال بالخير تتصدقون وتعتقون وتحجون وتنفقون، فقال عثمان: وإنكم لتغبطوننا؟ قال: إنا لنغبطكم قال: فواللّه لدرهم ينفقه أحد من جهد خير من عشرة آلاف غيض من فيض”. “هب” ( انظر: علي المتقي، كنز العمال، حـ 6، ص612/ 17098؛ البيهقي، شعب، جـ3، ص251)
الصيام لا مثيل له:
أدرك الصحابة -رضي الله عنهم- أن الصيام لا مثيل له. يروي أبو أمامة -رضي الله عنه- أنه قال لرسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- يا رسول اللّه مرني بأمر ينفعني اللّه به، قال:
“عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ” (النسائي، الصيام، 43/2221)
لما هاجرت أم أيمن -رضي الله عنها- أمست بالمنصرف دون الروحاء فعطشت وليس معها ماء وهي صائمة فجهدها العطش فدلي عليها من السماء دلو من ماء برشاء أبيض فأخذته فشربت منه حتى رويت فكانت تقول: ما أصابني بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر فما عطشت بعد تلك الشربة وإن كنت لأصوم في اليوم الحار فما أعطش. (ابن سعد، جـ 8، ص224)
نوى حضرة حمزة -رضي الله عنه- الصيام يوم أحد وقال: “إذا استشهدت لسوف ألقى ربي وأنا صائم”.
أنس ابن مالك -رضي الله عنه- قال: (كان أبو طلحة زوج أمي لا يصوم على عهد النبي -صلي الله عليه وسلم- من أجل الغزو، فلما قبض النبي -صلي الله عليه وسلم- لم أره مفطراً إلا يوم فطر أو أضحى)
كان أبو طلحة من الشجعان في ميدان الحرب وكان يُفضِّل الجهاد على الصيام، ولكنه بعد وفاة النبي -صلي الله عليه وسلم- فضّل الصيام بعد أن قلّل من جهاده، وكان يقضي معظم أوقاته صائماً ويقال إنه عاش أربعاً وعشرين سنة بعد وفاة النبي -صلي الله عليه وسلم-، إلا أنه وفي آخر أيامه قرأ هذه الآية الكريمة: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (التوبة ، 41)
فقال: استنفرنا اللّه شيوخاً وشباناً جهزوني فقال له بنوه: نحن نغزو عنك فأبى، فجهزوه فغزا في البحر فمات فدفنوه بعد سبعة أيام ولم يتغير. (انظر: ابن حجر، فتح البارئ، الجهاد، 29/ 2828 )
اصطحب أبو بردة -رضي الله عنه- ويزيد بن أبي كبشة في سفر، فكان يزيد يصوم في السفر، فقال له أبو بردة: سمعت أبا موسى مراراً يقول: قال رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا” (انظر: البخاري، الجهاد، 134/ 2996)
شهر رمضان في عصر السعادة، يستعدّ له بالبهجة والسرور وتحضير الأجواء الروحانية الخاصة، هذه الأجواء الرمضانية نقلها المؤمنون -رضي الله عنهم- إلى أولادهم، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لِنَشْوَانٍ (لرجل سكران) في رمضان: “وَيْلَكَ، وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ، فَضَرَبَهُ” (البخاري، الصوم، 47)
يروي لنا أبو الدرداء -رضي الله عنه- كيف أن لِلصيام قيمة عنده فيقول: لولا ثلاث لأحببت أن لا أبقى في الدنيا، وَضْعُ وجهي لخالقي في الليل والنهار وظمأ الهواجر ومقاعد أقوام ينتقون الكلام كما تنتقى الفاكهة. (انظر: المناوي، فيض القدير، جـ2، ص 8/ 1193)
التفاني للحج والعمرة
الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- تلهفوا للحج والعمرة والطواف حول الكعبة ولم يتركوا هذه العبادات والشعائر العلوية وملؤوا صدورهم من عبير هوائها الروحاني، ونفوسهم من الأغذية الروحانية المعنوية التي نزلت على الحرمين، اقتفوا أثر المعنويات التي تركها الأنبياء منذ حضرة آدم -عليه السلام- إلى قلوب العاشقين، وأخذوا نصيباً من ذكراهم واعتبروا من أحوالهم، وعظّموا وبجّلوا هذه الأمكنة لوجود الإشارات الربانية فيها، وذكروا الحق بكل وسيلة في المقامات المقدسة.
البراء بن المعرور -رضي الله عنه- كان من اثني عشر نقيباً الذين بايعوا النبي -صلي الله عليه وسلم- بيعة العقبة الأولى ووعده بالزيارة وأداء الحج في السنة القادمة وفي موسم الحج، لكنه رحل عن الدنيا قبل حلول الموعد.
كان البراء بن معرور أول من استقبل القبلة حياً وميتاً قبل أن يوجهها رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-، فأمره النبي -صلي الله عليه وسلم- أن يستقبل بيت المقدس والنبي -عليه السلام- يومئذ بمكة فأطاع البراء النبي -عليه السلام- حتى إذا حضرته الوفاة قال:وجهوني في قبري نحو القبلة. أول من صلى عليه النبي -صلي الله عليه وسلم- حين قدم المدينة البراء بن معرور، وقال: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَارْضَ عَنْهُ، وَقَدْ فَعَلْتَ” (ابن سعد، جـ 3، ص 619-620)
تروي لنا حضرة السيدة عائشة -رضي الله عنها-أنها سألت رسول فقالت: يا رسول اللّه، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: “لَكِنَّ أَحْسَنَ الجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ” ، فقالت عائشة -رضي الله عنها-: «فلا أَدَعُ الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-» (البخاري، حج النساء، رقم1861)
عن عمر-رضي الله عنه-، قال: استأذنت النبي -صلي الله عليه وسلم- في العمرة، فأذن لي، وقال -صلي الله عليه وسلم-: “لا تنسنا يا أخي من دعائك” ، فقال كلمة ما يَسُرُّنِي أن لي بها الدنيا. (انظر: أبو داود، الوتر، 23/ 1498؛ الترمذي، الدعوات، 109/ 3562)
إذن إلتفات النبي -صلي الله عليه وسلم- إلى الصحابة -رضي الله عنهم- يعتبر أمراً ذا معنى وشأناً عظيماً لديهم.
لقد تحمّل الصحابة -رضي الله عنهم- في سبيل الحج والعمرة كل المشاق والصعاب والفداء والتضحية، حتى أن حضرة السيدة عائشة -رضي الله عنها- لم تعتمر لحيضها فتروي لنا ذلك إذ تقول: خرجنا مع النبي -صلي الله عليه وسلم- في حجة الوداع فأهللنا بعمرة، ثم قال النبي -صلي الله عليه وسلم-: “مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالحَجِّ مَعَ العُمْرَةِ، ثُمَّ لاَ يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا” ، فقدمت مكة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى النبي -صلي الله عليه وسلم-، فقال: “انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالحَجِّ، وَدَعِي العُمْرَةَ” ، ففعلت، فلما قضينا الحج أرسلني النبي -صلي الله عليه وسلم- مع أخي عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت، فقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: “هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ” … (انظر: البخاري، عمرة ، 8/ 1556)
تعامل الصحابة -رضي الله عنهم- في الحج كان في غاية الرقة واللطف،والرسول -صلي الله عليه وسلم- وصّى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في أثناء الطواف أن يتمهل فقال له: “يَا عُمَرُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ” (انظر: الهيثمي، جـ 3، ص 241/ 5476؛ أحمد، جـ1، ص 28)
النساء كن يطفن في مكان بعيد عن الرجال ولم يدخلن بينهم، كانت عائشة -رضي الله عنها- تطوف حجرة من الرجال، لا تخالطهم، فقالت لها امرأة: انطلقي نستلم (نمس الحجر الأسود) يا أم المؤمنين، قالت: «انطلقي عنك» ، وأبت أن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت (داخل الكعبة)، قمن حتى يدخلن، فأُخرِج الرجال ثم دخلت عائشة -رضي الله عنها- ومن معها. (البخاري، حج، 64،/1618)
ومرة أخرى توعكت حضرة السيدة أم سلمة -رضي الله عنها- في الحج ولم تطف بالبيت الحرام وكان الوفد سيفارق مكة فقال لها رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون” ففعلت ذلك، فلم تصل حتى خرجت. (البخاري، حج، 71،/ 1626 )
قالت أم سلمة: كيف هذا يا رسول اللّه أني مريضة؟ وردّ النبي -صلي الله عليه وسلم-: “طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ“، فطفت ورسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- حينئذ يصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ: والطور وكتاب مسطور.. (البخاري، حج، 64/ 1619 )
هذه الرواية تفيد أن للنساء الطواف مع الرجال بشرط أن تكون من وراء الرجال، لأن الطواف عبادة مثل الصلاة، وفي الصلاة النساء يصلِّين خلف الرجال والطوافُ كذلك.
تحصيل القرآن الكريم والحديث الشريف
اهتم الصحابة الكرام أهل عصر السعادة بالقرآن الكريم والحديث الشريف وذلك إمتثالاً لقوله تعالى:
﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (ص، 29)
وكذلك قوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ (فاطر، 29)
إنَّ رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- كان يعلم الآيات المنزلة للصحابة ثم الصحابيات[8]، وكانوا يتعهدون الوحي بالحفظ والكتابة وكانت الكتابة ظاهرة بينهم وقد تكاتفوا وتكافلوا فيما بينهم من كتابة الآيات فالذي لا يعرف الكتابة يحضر أدواتها والكاتب يكتب لهم طوعاً وبالمجان[9]
هكذا فقد طبقت الآيات القرآنية منذ بدء نزولها وفي أول أدوار الإسلام ولو أدى ذلك إلى تعرض المسلمين لتعذيب وظلم كفار قريش غير المتحمّل، ففي أوائل سنوات الإسلام حضرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- دخل في الإسلام بعد تلاوته آيات من القرآن الكريم مكتوبة على الصحيفة.[10]
تَسلَّم رافع بن مالك -رضي الله عنه- من النبي -صلي الله عليه وسلم- نصّاً قرآنياً مكتوباً لكل الآيات والسور الموحى بها حتى ذلك الحين وكان ذلك في بيعة العقبة، وفي المدينة كان رافع -رضي الله عنه- يتلو ويعلم الناس هذه الآيات والسور في مسجده الذي بناه في حيه وعرف بأول مسجد في عالم الإسلام.[11]
وكمثال آخر فإنَّ عبد اللّه بن مسعود -رضي الله عنه- يروي أن الصحابة الكرام متى دخلوا إلى بيوتهم، كانت زوجة كل واحد منهم تسأله هذين السؤالين 1- كم آية نزلت اليوم من القرآن الكريم؟ 2- ماذا حفظت من أحاديث رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-. (عبد اللّه حميد كشك، في رحاب التفسير، جـ 1، ص 26)
يتابع عبد اللّه بن مسعود -رضي الله عنه- ويقول:
«واللّه الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب اللّه إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب اللّه إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب اللّه، تبلغه الإبل لركبت إليه» (البخاري، فضائل القرآن، 8، 5002)
الصحابي الجليل عبد اللّه بن مسعود -رضي الله عنه- كان يقرئ الرجل الآية، ثم يقول: «لَهِيَ خير مما طلعت عليه الشمس، أو مما على الأرض من شيء حتى يقول ذلك في القرآن كله» (انظر: الهيثمي، جـ 7 ، ص 166/ 11678 )
وهذا القول مهم جداً لأنه يُظهِر مدى درجة انشغال الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- بعلوم القرآن، منْ يطلُبْ العلم يتفكر في معاني القرآن الكريم ويتعمق في تفسيره ويجيدُ يجِدْ قراءته لأنه حوى علم الأولين والآخرين.
الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- كانوا يتدارسون القرآن الكريم والحديث، وخاصة أصحاب الصفة الحاضرين ليلاً ونهاراً يتلون القرآن ويتدارسونه ويتعلمونه.
حضرة عمر -رضي الله عنه- عمّق فكره وفهمه حتى يفهم آيات القرآن الكريم ثم يطبقها بشكل عملي في حياته، وخير دليل على ذلك قوله أتممت سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة ووفّقت لتطبيقها في حياتي وضحيت بِجزور شكراً للّه تعالى على إتمامها. (انطر: القرطبي، 1-40)
وبحسب رواية الإمام مالك فإن عبد اللّه بن عمر -رضي الله عنه- تدارس لتحصيل وتطبيق آيات سورة البقرة ثماني سنوات كاملة، لأنه يقرأ القرآن الكريم ليتعلم فرائضه وأحكامه ومعلقاته، وكان يتلو القرآن ثم يطبق ذلك في حياته.[12] لذلك قال حضرة أبي بكر -رضي الله عنه-: (لأن أعرب آية أحب إليّ من أن أحفظ آية)
وذلك لأن فهم الإعراب يعين على فهم المعنى. والقرآن نزل للتدبر والعمل. (انظر: ابن الأنباري، كتاب إيضاح الوقف، جـ1، ص23)
أيضاً جاء أحدهم إلى زيد بن ثابت -رضي الله عنه- فقال له: كيف ترى في قراءة القرآن في سبع؟ فقال زيد: «حسن. ولأن أقرأه في نصف، أو عشر، أحب إلي» . وسلني لم ذاك؟ قال: فإني أسألك. قال زيد «لكي أتدبره وأقف عليه»[13].
حَضَّ حضرة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الناس على كتابة القرآن للقراءة الشخصية بعد إتمام جمعه بين دفتي المصحف[14] وذلك لأن الناس قبل جمع المصحف كانوا قد دوّنوا بعض الآيات والسور من القرآن ، وما استطاعوا تدوينه كاملاً، وهكذا بعد تمام نزول الوحي وجمع القرآن بين دفتي المصحف من قِبَل لجنة موثوقة من الصحابة الكرام وتصديق الصحابة الحفاظ عليه صار ممكناً للناس نسخ القرآن الكريم كاملاً وبسهولة ويسر، واستطاعوا صناعة نسخ لأنفسهم، ويقول عبيد اللّه بن عبد اللّه -رضي الله عنهما-: أنه نسخ نسخة عن مصحف المدينة الموجود في المسجد النبوي في خلافة حضرة عثمان -رضي الله عنه-، وكان عبيد اللّه يتلو منه على الجماعة كل صباح.[15]
ولقد أرسل وبعث رسول اللّه الأكرم -صلي الله عليه وسلم- وخلفاؤُه عدداً كبيراً من الصحابة العلماء إلى مختلف مراكز العالم الإسلامي لتعليم القرآن الكريم والسنة السنية،[16] والنبي -صلي الله عليه وسلم- مثلاً كان قد أرسل الصحابي الجليل مصعب بن عمير إلى المدينة قبل الهجرة، وكان يحدث الناس عن الإسلام ويتلو عليهم القرآن في كل فرصة سانحة.[17]
كما أرسل أبو الدرداء -رضي الله عنه- إلى الشام وأمضى فيها وقتاً طويلاً وشكّل حلقات العلم المشهورة والتي زاد عدد طلابها عن ألف وستمائة طالب، وقد قسم الطلاب إلى عشر حلقات وعيّن عليهم مشرفاً من خواص طلابه ومريديه وتابع تطورهم وتقدمهم، فالمتقدم والمتفوّق من هذا المستوى ارتفع ونال شرف الدراسة على يد هذا الصحابي الجليل المبارك مباشرة، هكذا امتلك الطلاب المتفوقون امتيازاً خاصاً ألا وهو تحصيل العلم على يد أبي الدرداء مباشرة، وأنهم سيكونون أساتذة في المستويات الأقل درجة،[18] هذا هو النظام المتّبع من جميع الصحابة الكرام في المراكز والبلدان الأخرى[19]
أرسل حضرة عمر -رضي الله عنه- يزيد بن عبد اللّه إلى البدو المتطرفين لتعليمهم القرآن الكريم، وعيّن أبا سفيان لمتابعة وملاحظة مدى تحصيل البدو للقرآن الكريم. وعلاوة على ذلك فقد عيّن حضرة عمر -رضي الله عنه- ثلاثة من الصحابة لتعليم الأطفال القرآن الكريم في المدينة وأمر لهم براتب شهري وقدره خمسة عشر درهماً وأمرهم بتعليم خمس آيات ميسرة من القرآن حتى الراشدين.[20]
الصحابي الجليل ابن عباس -رضي الله عنهما- كان يدرس في المستويات العليا فحيثما ذهب يجتمع الناس حوله طلباً للعلم، وعندما قام خطيباً بالناس في مسجد البصرة تلا عليهم سورة البقرة ثم وضّح لهم موضوعها.[21]
سمع حضرة الإمام علي -رضي الله عنه- مرة ضجة شديدة من مسجد الكوفة فقال: ما هؤلاء؟ فقال: قوم يقرءون القرآن، أو يتعلمون القرآن، فقال: أما إنهم كانوا أحب الناس إلى رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-. (الهيثمي، جـ7، ص162، 11644)
روى مجاهد المفسر المعروف ومن كبار التابعين (المتوفّى 103 هـ) عن ابن أبي ليلى المتوفى (83 هـ) عالم الحديث والفقه والقراءات: أنه أسس مكتبة مكوّنة من القرآن الكريم فقط، وكان الناس يتجمعون عنده طلباً لقراءة القرآن[22].
أبو عبد الرحمن السُلَمِي بدأ حياته معلماً للقرآن في خلافة حضرة عثمان -رضي الله عنه- ثم استمرّ في هذا العمل سنوات عدة يقول قاصداً المسجد الذي كان إمامه ومعلماً فيه في الكوفة، السبب الوحيد أنني في هذا المقام قول النبي -صلي الله عليه وسلم-: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه“، وأنا هنا لنيل البشرى من هذا الحديث الشريف. (انظر: البخاري، فضائل القرآن، 21؛ الترمذي، فضائل القرآن، 15/2907)
وقد سَعى مجتمع عصر السعادة إلى تعلم الحديث الشريف مع القرآن الكريم، ونضرب مثلاً على ذلك عروة بن الزبير حيث يقول: في يوم مِن الأيام قالت لي خالتي حضرة عائشة: يا ابن أختي سمعت أن عبد اللّه بن عمرو سيزورنا في طريقه للحج، احرص على لقائه وسؤاله لأنه تلقى علماً كثيراً من رسول اللّه ، لذلك حرصت على لقائه وسألته عن أشياء كثيرة تعلّمَها من رسول اللّه. [23]
عبد اللّه بن عمرو -رضي الله عنه- كان كاتباً لأحاديث الرسول -صلي الله عليه وسلم- لهذا أصبح بعد فترة راوياً لكثير من الأحاديث العظيمة.[24]
علاوة على ذلك فإنَّ الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- من الشباب والراشدين والمسنين رغم تقدمهم في السن فقد بذلوا جهوداً مضاعفة لتحصيل العلم.[25]
الشفاء والمعافاة ببركة القرآن الكريم
القرآن الكريم عماد حياة مجتمع عصر السعادة حتى أنهم كانوا يرجعون إلى كلام اللّه تعالى في كل أعمالهم، إلى حد أنهم طلبوا الشفاء والتداوي من الأمراض بتلاوة آيات من القرآن الكريم.
عن أبي سعيد الخدري أن ناساً من أصحاب رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- كانوا في سفر فمروا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم، فقالوا لهم هل فيكم راق؟ فإن سيد الحي لديغ أو مصاب فقال رجل منهم نعم فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب فبرأ الرجل فأعطي قطيعاً من غنم فأبى أن يقبلها وقال حتى أذكر ذلك للنبي -صلي الله عليه وسلم- فأتى النبي -صلي الله عليه وسلم- فذكر ذلك له فقال يا رسول اللّه واللّه ما رقيت إلا بفاتحة الكتاب فتبسم وقال: “وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟”، ثم قال: “خُذُوا مِنْهُمْ، وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ” (مسلم، السلام، جـ4، 1727، رقم 2201)
وأما قوله -صلي الله عليه وسلم- “واضربوا لي بسهم معكم” فهذا لإسعادهم وإدخال السرور إلى قلوبهم ولبيان أن أخذ المال مقابل التداوي حلال ولتأييد عملهم. (انظر: عيني، عمدة القارئ، جـ21، ص271-272)
وعن عبد الملك بن عميرٍ -رضي الله عنه- أن رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- قال : “فَاتِحَةُ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ” (انظر: البيهقي، شعب الإيمان،فضائل السور، 1/2154)
يروى أن رجلاً يدعى علاقة بن سحار، أتى رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- فأسلم، ثم أقبل راجعاً من عنده، فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فجاءَت عائلة المجنون إلى الصحابي المبارك وقالت: حسب ما سمعنا فإن صاحبكم (رسول اللّه) جاء بخير كثير من ربه، فهل عندك شفاء لهذا المريض؟ فرقيته بفاتحة الكتاب، فبرأ، فأعطوني مائة شاة، فأتيت رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- فأخبرته، فقال:
“هَلْ إِلَّا هَذَا” وقال في موضع آخر “هَلْ قُلْتَ غَيْرَ هَذَا؟” ، قلت: لا، قال: “خُذْهَا فَلَعَمْرِي لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ” (انظر: أبو داود، الطب، 19/3896؛ أحمد، جـ 7، ص211)
الإستغفار بالأسحار
يقول اللّه تعالى في كتابه العزيز:
﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (الذاريات، 17-18)
لقد كان وقتُ السحر هو الوقت المفضل في مجتمع عصر السعادة لقيام الليل والأذكار والأوراد وقراءة القرآن على الأسرة الوثيرة الناعمة، في هذا المجتمع السعيد يعتبر وقت السحر والفجر وقت العناية الفائقة بالدعاء والإستغفار.[26] لذلك كان يُسمع دويٌّ كدوي النحل صادراً من بيوت الصحابة -رضي الله عنهم- في ظلمات الليالي.
يصف لنا القاضي البيضاوي هذا المشهد قائلاً: “عندما فرضت الصلوات الخمس، اعتبر قيام الليل والتهجد سنة، كان رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- يتجول ليلاً في المدينة ليرى أحوالها فيسمع دوياً كدوي النحل صادراً من بيوت الصحابة من الذكر والقراءة والتسبيح.” (انظر: أنوار التنزيل، جـ4، ص111)
قال رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- مادحاً الأشعريين: “إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الأَشْعَرِيِّينَ بِالقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ… ” (انظر: البخاري، المغازي، 04/ 2324 )
تقول لنا السيدة عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- تهجد ليلة في بيتي، فسمع صوت عَبَّادٍ يصلي في المسجد، فقال: “يَا عَائِشَةُ أَصَوْتُ عَبَّادٍ هَذَا؟”، قلت: نعم، قال: “اللَّهُمَّ ارْحَمْ عَبَّادًا” (انظر: البخاري، الشهادات، 11/2655)
أخّر رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- العشاء ثمان ليال أو تسع ليال، إلى ثلث الليل ، فقال أبو بكر: يا رسول اللّه، لو أنك عجلت لكان أمثل لقيامنا من الليل، قال: «فعجل بعد ذلك» ومن ذلك الوقت والرسول -صلي الله عليه وسلم- يبكر في العشاء. (انظر: أحمد، مسند، رقم 38402)
صلى عمر -رضي الله عنه- يوماً التهجد ثم دعا بهذا الدعاء: «قد ترى مقامي وتعلم حاجتي، فأرجعني من عندك يا اللّه بحاجتي مفلحاً منجحاً مستجيباً مستجاباً لي قد غفرت لي ورحمتني»
فإذا قضى صلاته تابع قائلاً:
«اللّهم لا أرى شيئاً من الدنيا يدوم ولا أرى حالاً فيها يستقيم، اجعلني أنطق فيها بعلم وأصمت فيها بحكم. اللّهم لا تكثر لي من الدنيا فأطغى ولا تقل لي منها فأنسى فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى». (انظر: ابن أبي شيبة، المصنف، جـ 7، ص99،/ 34493 )
سُئلت حضرة أمّنا عائشة -رضي الله عنها-يوماً: أيّ الناس كان أحب إلى رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-؟ قالت: «فاطمة» ، فقيل: من الرجال؟ قالت: «زوجها» ، إن كان ما عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا. (انظر: الترمذي، مناقب، 60/3874)
يقول عبد اللّه بن عامر ربيعة -رضي الله عنه-: توفي أبي في صلاة التهجد التي كان مشغولاً بها طوال حياته، وعندما حصلت الفتنة ونشب الناس في الطعن على عثمان قام أبي فصلى من الليل، قال: فقيل له: قم فاسأل اللّه أن يعيذك من الفتنة التي أعاذ منها عباده الصالحين، قال: فقام فصلى فمرض، قال: فما رئي خارجاً حتى مات.(انظر: الهيثمي، جـ9، ص301؛ ابن أبي شيبة، المصنف، جـ 6، ص362/ 32044)
ومن التابعين عامر بن قيس -رضي الله عنه-: بكى عندما اقتربت ساعة رحيله عن الدنيا فسُئل:ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعاً من الموت، ولا حرصاً على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام الليل.. (انظر: الذهبي، السيرة، جـ 4، ص19)
وقت السحر عند أصحاب القلوب والسرائر هو وقت أفضل العبادات، هو وقت قبول الإستغفار والأدعية، فيه المعاصي تمحى الأبدان تتعافى، فيه إحياء الليالي امتثالاً لأمر اللّه تعالى:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء…﴾ (آل عمران، آية 26)
هذه الآية الكريمة أشارت إلى نقطة هامة وهي حقيقة الملك والسلطان. (الخادمي، مجموعة الرسائل، رسالة الوصية والنصيحة، ص 149)
العبادة شغلهم الشاغل
كانت العبادة عند مجتمع عصر السعادة جل اهتمامهم ومع ذلك ما اعتبروا ذلك كافياً وعاشوا دائماً بين الخوف والرجاء.
تروي لنا حضرة أمنا السيدة عائشة -رضي الله عنها- فتقول: سألت رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- عن هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ…﴾ (المؤمنون،60)
قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: “لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا تقبل منهم ﴿أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونََ﴾ (المؤمنون،61)” (الترمذي، التفسير، 32/3175؛ ابن ماجه، الزهد، 20)
بعد أداء العبادة بدقة وإتقان التجؤوا إلى اللّه تعالى لقبولها، لأنهم خافوا ألا تقبل، فالأعمال كدعاء تحتاج إلى القبول من اللّه تعالى.
يقال أن علياً -رضي الله عنه- كانت إذا جانت الصلاة تزلزل وتغير لونه، فيقال له ما لًكً يا أمير المؤمنين؟ فيقول -رضي الله عنه-: أمانة عرضها اللّه -عز وجل- على السموات والأرض فَأَبَيْنَ أن يحملنها وَأَشْفَقْنَ منها وحملها الإنسان.[27]
فلا أدري أحسن أداء ما حملت أًمْ لا. (انظر: السراج، اللمع، ص 181)
المسارعون في الخيرات والفضائل
سارع مجتمع عصر الصحابة إلى فعل الخير والفضائل. يروي لنا عبد الرحمن بن أبي بكر أن رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- قال لأصحابه بعد تأدية صلاة الفجر: “هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَصْبَحَ صَائِمًا؟ “.، فقال عمر: يا رسول اللّه، لم أحدث نفسي بالصوم البارحة فأصبحت مفطراً. فقال أبو بكر: لكني حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائماً، فقال رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “هَلْ مِنْكُمُ الْيَوْمَ أَحَدٌ عَادَ مَرِيضًا؟ “، فقال عمر: يا رسول اللّه، صلينا ثم لم نبرح فكيف نعود المرضى؟، فقال أبو بكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف اشتكى فجعلت طريقي عليه حين خرجت إلى المسجد لأنظر كيف أصبح، فقال رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ “، فقال عمر: يا رسول اللّه، صلينا ثم لم نبرح فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز شعير في يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه، فقال رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “أَنْتَ فَأَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ“. فتنفس عمر -رضي الله عنه- فقال: واهاً للجنة، فقال النبي -صلي الله عليه وسلم- كلمة رضي بها عمر: “رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ لَمْ يُرِدْ خَيْرًا قَطُّ إِلَّا سَبَقَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهِ“. (انظر: الهيثمي، جـ3، ص163-164/4949؛ أبو داود، الزكاة، جـ36، ص1670؛ الحاكم، جـ1، ص571/1501)
هذه الحادثة تحضنا على شغل كل أوقاتنا لرضاء اللّه -عز وجل- والنتيجة بحسب النية وهذا ما تؤكده الآيات الكريمة:
﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ (الانشراح، 7-8)
اقتفاءً بِأثر السنة السنية خطوة خطوة
قال الفضيل بن عياض رحمه اللّه: إنَّ العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالِصاً صواباً فالخالص أن يكون لله -عز وجل-، والصواب أن يكون على السنة.[28]
لأن طاعة النبي -صلي الله عليه وسلم- هي طاعة للّه تعالى وهذا ما صرح به القرآن الكريم علينا حيث قال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاَعَ اللّهَ﴾ (النساء،80)
لقد أدرك إنسان عصر السعادة هذه الحقيقة وثابر على تأدية جميع أحواله وحركاته وأعماله حسب السنة.
قال جابر -رضي الله عنه- للشباب الذين حضروا إليه لتعلم العلم: كان رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به. (انظر: مسلم، الحج، 147/ 1218)
قال أمية ابن عبد اللّه لعبد اللّه بن عمر -رضي الله عنهما-: إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السفر؟ فقال له عبد اللّه -رضي الله عنه-: «إن اللّه بعث إلينا محمداً -صلي الله عليه وسلم- ولا نعلم شيئاً، فإنما نفعل كما رأينا محمداً -صلي الله عليه وسلم- يفعل» (انظر: ابن ماجه، إقامة 73/1066)
وهذا المعنى قد أكّده القرآن الكريم حيث يقول اللّه -عز وجل-:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الحجرات، 1)
سعيد بن المسيب من أفاضل علماء التابعين رأى رجلاً يصلي بعد العصر ركعتين يكبر فيها، فقال له يا أبا محمد: أيعذبني اللّه على الصلاة؟ قال: «لا، ولكن يعذبك اللّه بخلاف السنة» (سنن الدارمي، جـ1، ص404/450)
كان حضرة علي -رضي الله عنه- في ذروة تتبع السنة السنية وذات يوم سأل: يركب الرجل هديه؟، فقال: لا بأس به قد كان النبي -صلي الله عليه وسلم- يمر بالرجال يمشون فيأمرهم يركبون هديه، هدي النبي -صلي الله عليه وسلم- قال: ولا تتبعون شيئاً أفضل من سنة نبيكم -صلي الله عليه وسلم- “. (أحمد، جـ2، ص 279/979)
وانظر إلى قوله -رضي الله عنه- هذا كم هو معبر: قد رأينا رسول الله -صلي الله عليه وسلم- قام فقمنا، وقعد فقعدنا. (أحمد،جـ2، ص 64/631)
وقال علي أيضاً: الطرق كلها مسدودة على الخلق الا من اقتفى اثر رسول الله -صلي الله عليه وسلم-. (انظر: البروسوي، روح البيان، حـ 2، ص 194، النساء، 28)
توضأ حضرة الإمام علي -رضي الله عنه- ومسح على ظاهر النعلين وقال: لولا أني رأيت رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- فعل كما رأيتموني فعلت، لرأيتُ أن باطن القدمين هو أحق بالمسح من ظاهرهما. (أحمد،مسند الرسالة، جـ2، ص414/ 1263)
صلّى عبد اللّه بن أبي أوفى الأسلمي -رضي الله عنه- صاحب رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- على جنازة ابنة له، فكبر عليها أربعاً، فمكث بعد الرابعة شيئاً، قال: فسمعت القوم يسبحون به، من نواحي الصفوف، فسلم ثم قال: أكنتم ترون أني مكبر خمساً؟ قالوا: تخوفنا ذلك، قال: لم أكن لأفعل، ولكن رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- كان يكبر أربعاً، ثم يمكث ساعة، فيقول ما شاء اللّه أن يقول، ثم يسلم. (الحاكم، جـ1، ص360؛ ابن ماجه، الجنائز، 340/1503)
غُشِي على أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- ورأسه في حجر زوجته فبدأت بالعويل والنياحة وشق الجيب وهو لا يستطيع منعها وعندما أفاق حذر زوجته من ذلك قائلاً إن رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: «برئ من الصالقة والحالقة والشاقة» وأنا بريء ممن برئ منه رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-.(انظر: البخاري، جـ2، ص 81/1296؛ مسلم، ايمان،167؛ النسائي، جنائز، 170)
المسلم الحقيقي يتمسك بأوامر النبي -صلي الله عليه وسلم- حتى في آخر لحظات حياته، والموت يُنشب مخالبه فيه.
تابع ابن عمر -رضي الله عنهما- النبي -صلي الله عليه وسلم- في كل أفعاله.
«أن رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- حين أقبل من حجته دخل المدينة فأناخ على باب مسجده، ثم دخله فركع فيه ركعتين، ثم انصرف إلى بيته» وابن عمر -رضي الله عنهما- فعل كذلك طوال حياته.[29]
أراح رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- جمله في بطحاء ذي الحليفة، وابن عمر فعل ذلك.[30]
كان رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- بعد أداء الصلوات إماماً ينام في المحصب[31] القيلولة، وابن عمر كذلك.[32]
اشترى رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- أضحية من كديد (بين مكة والمدينة) وابن عمر -رضي الله عنهما- فعل كذلك.[33]
فالنتيجة: إنَّ ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يُسئَل لماذا تفعل هكذا؟ كانت الإجابة رأيت رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- فعل هكذا.[34]
أبو رافع -رضي الله عنه- يروي لنا فيقول: صليت مع أبي هريرة -رضي الله عنه- صلاة العتمة (العشاء) فقرأ إذا السماء انشقت فسجد فيها، فقلت له: ما هذه السجدة؟ فقال: سجدت بها خلف أبي القاسم -صلي الله عليه وسلم-، فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه. (مسلم، مساجد، 110/ 578؛ أحمد 2/229)
يحكي لنا أبو هارون العبدي -رضي الله عنه- أنه ذهب مع بعض الشباب إلى أبي سعيد ليتعلموا منه ولما رآهم قال: هؤلاء هم الذين وصّانا بهم النبي -صلي الله عليه وسلم-، مرحباً بكم، أهلاً وسهلاً، لقد قال لنا رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم-: “إِنَّ النَّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ، وَإِنَّ رِجَالًا يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الأَرَضِينَ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ، فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا” (الترمذي، علم، 4/2650؛ ابن ماجه، المدمة، 17/22؛ الدارمي، المقدمة، 26)
امرأة من بني غفار سألت رسول اللّه -صلي الله عليه وسلم- كيف تطهر ملابسها من الدم؟ فأجابها: “…خُذِي إِنَاءً مِنْ مَاءٍ، فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا، ثُمَّ اغْسِلِي مَا أَصَابَ…“
هذه المرأة طبقت الوصية بالحب طوال عمرها فكانت لا تطهر من حيضة إلاً جعلت في طهورها ملحاً، وما غسلت ملابسها بدون الملح ووصت أن يضيف الملح إلى ماء غسل جنازتها. (انظر: أبو داود، الطهارة، 122/313)
وكنتيجة نستخلصها، فإنّ جيل الصحابة تابعوا النبي -صلي الله عليه وسلم- في جميع أفعاله وأعماله وأقواله واقتفوا أثره في الصداقة والمشاعر والأحاسيس والحب وفي وصاياه واعتبروا ذلك أعلى درجات الذوق واللذة والسرور.
[1] الوجد: أعلى درجات التقرُّب إلى الله
[2] انظر: بن ماجه، الزهد، 51؛ أحمد، جـ 5، 214
[3] انظر: عبد العزيز شاويش، جوابا للكنيسة الأنجيلية، ص 96
[4] العلماء اختلفوا في زكاة متاع الزينة والمناسب أداء زكاتها.
[5] يهنأ: يقال هنأت البعير أهنؤه: إذا طليته بالهناء، وهو القطران
[6] سعيد رمضان البوطي، فقه السيرة، بيروت 1980، ص 434
[7] انظر: الإنفاق في مضمونه كل الخير يؤدي طوعا والزكاة المفروضة جزء منه (مصطفى تشارجه) الإنفاق وثائقيات الديانة الإسلامية، 22-279
[8] انظر: ابن اسحاق، سيرة، ص 128
[9] انظر: البيهقي، السنن الكبرى، جـ6/6
[10] انظر: ابن هشام، حـ 1، ص 369-371
[11] انظر: ابن حجر، الإصابة، جـ2، ص 189-190؛ ابن كثير، البداية، جـ3، ص152؛ ابن الأثير، أسد الغابة، جـ2، ص157.
[12] انظر: الموطأ، القرآن، 11؛ الكتاني، التراتيب، 191
[13] انظر: ابن عبد البر، الإستذكار، جـ 2، ص477
[14] انظر: ابن شيبه، تاريخ المدينة 1002
[15] انظر: ابن شيبه، تاريخ المدينة، ص 7؛ ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، ص 51
[16] انظر: الدارمي، السنن، جـ 1، ص135؛ ابن سعد، جـ 3، ص6
[17] انظر: ابن هشام، جـ2، ص43-46؛ أبو نعيم، دلائل النبوة، جـ1، ص 307؛ الهيثمي، جـ6، ص41؛ الذهبي، السيرة، جـ1، ص182
[18] انظر: الذهبي، سيرة أعلام النبلاء، جـ2، ص 344-346
[19] انظر: البلازوري، الأنصاب، جـ 1، ص110؛ الحاكم، جـ 1، ص220
[20] انظر: الدكتور البروفيسور م-م، تاريخ القرآن
[21] انظر: الحاكم، جـ 1، ص220
[22] انظر: ابن سعد، جـ4، ص253؛ ابن أبي داود، المصنف، ص 151
[23] انظر: مسلم، علم، 14/ 1235
[24] انظر: بخاري، علم، 39
[25] انظر: بخاري، علم، 15
[26] انظر: الهيثمي، جـ 7، ص47؛ مبارك فوري، تحفة الأخوذي، جـ 2، ص 473-474؛ ابن حجر، تلخيص الخبير، جـ4، ص 206
[27] انظر: سورة الأحزاب، 72
[28] انظر: ابن القيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، بيروت 1996، 2/124
[29] انظر: أبو داود، جهاد، 166/2782
[30] انظر: البخاري، جـ2، ص139؛ مسلم، الحج، 226.
[31] المحصب: مكان بين مكة ومنى وهو إلى منى أقرب.
[32] انظر: البخاري، الحج، 49؛ مسلم، الحج، 337؛ الموطأ، الحج، 207.
[33] انظر: الترمذي، الحج، 68/907.
[34] انظر: البخاري، وضوء، 30؛ مسلم، الحج، 25، 245، 521.